تحتوي مياه الشرب في أي مكان من العالم عدداً من العناصر على شكل أملاح ذائبة أو مواد عالقة سواء كانت هذه المياه سطحية أو جوفية أو حتى مياه المطر المجمعة في الآبار المنزلية، ويمكن القول إن أكثر العناصر الموجودة في أغلب مياه الشرب تركيزاً هي الكالسيوم والمغنيسوم والصوديوم والبوتاسيوم، يمكن القول إنها العناصر المعدنية الرئيسة الأربعة في مياه الشرب; إذ تتواجد على شكل أملاح تتحد فيها مع الكبريتات أو الكربونات أو الكلوريد وغيرها من المجموعات وفيما تحتوي المياه على كميات أقل من العناصر الأخرى مثل الحديد أو المنغنيز أو على كميات شحيحة مثل العناصر النادرة في الطبيعة كالكادميوم والرصاص وغيرها.

تعطي الأملاح الذائبة لمياه الشرب طعمها المميز، وهنا تجدر الإشارة أن الإنسان يعتاد على طعم المياه الموجودة في منطقته بغض النظر عن محتوى الأملاح فيها إلا إذا كانت عالية الملوحة ولذا فإن تغير طعم المياه من منطقة لأخرى قد لا يعني الكثير بالنسبة للشخص ولا يمكنه القول إن المياه ملوثة أو لا، وكذلك تحافظ الأملاح على قاعدية المياه وهذا يخفف الضرر الناتج عنها على الكبد والأعضاء الداخلية الأخرى، والمياه منزوعة الأملاح مياه تميل إلى طعم المرارة أو الطعم الحاد وتكون أكثر قابلية لإذابة الأوكسيجين مما يزيد من ضررها على الجسم، كما تزيد من سرعة تأكسد المعادن التي تتلامس معها مثل الأنابيب المعدنية في شبكات المياه العامة، بالإضافة إلى ذلك تسد الأملاح الذائبة في المياه جزءاً من احتياجات الجسم اليومية لهذه الأملاح وقد تعوض الحادث نتيجة فقر الأغذية التي يتناولها الشخص بالأملاح.

للكشف عن تراكيز الأملاح في مياه الشرب فإن هناك عدة فحوصات منها كيميائية وأخرى بإستخدام أجهزة متطورة، لكن أهم فحص يكشف عن مجمل تركيز الأملاح الذائبة هو فحص الموصلية الكهربائية إذ إن موصلية المياه ناتجة بشكل أساسي من الأملاح الذائبة فيها، وهناك علاقة خطية بين زيادة تركيز الأملاح وارتفاع الموصلية، وفي الغالب تكون الأملاح الذائبة في المياه الجوفية أكثر منها في المياه السطحية فيما تكون تراكيزها منخفضة في مياه الأمطار.

يمكن إزالة الأملاح من المياه بالتحلية والتي تتم إما بالتقطير أو بالتناضح العكسي، وتتم هذه العملية في الغالب عن زيادة تراكيز الأملاح بشكل كبير عن الحد المسموح به كما في مياه البحار أو المياه الجوفية عالية الملوحة، وتعتبر الزيادة البسيطة لتراكيز الأملاح عن الحد المسموح به مزعجة لكنها غير مؤذية للشخص الذي يشربها إلا إذا كان لديه أمراض مزمنة كضغط الدم، من الأفضل حتى في حالة خلو الشخص من الأمراض أن لا يتم استهلاك المياه بتراكيز أملاح فوق المسموح به لأن ذلك يؤدي إلى مضاعفات على المدى البعيد وخاصة الأضرار المحتملة على الكلى والكبد، وفي بعض التطبيقات الصناعية يتم استعمال أبراج من الراتنج لإزالة أملاح الكالسيوم والمغنيسوم من الماء وهو ما يعرف بإزالة عسر الماء.

يمكن للأملاح أن تصل إلى مياه الشرب من عدة مصادر فالتربة والصخور غنية بأنواع متعددة من الأملاح التي تذوب وتصل إما للمياه الجوفية أو السطحية وكذلك مخلفات المنازل والمصانع وكذلك المخلفات الزراعية الناتجة من الأسمدة والمبيدات، ويمكن أن تصل بعض الأملاح المتواجدة بتراكيز عالية في مياه البحر إلى بعض الأحواض الجوفية الساحلية، وفيما يلي توضيح للعناصر المعدنية الأساسية الأربعة الأكثر تواجداً في مياه الشرب:

الأملاح والعناصر المعدنية الأساسية في مياه الشرب

1- الكالسيوم:

وهو أكثر العناصر تركيزاً في المياه الجوفية في الغالب وذلك لوفرة الصخور الكلسية في الطبقات العليا، وتساهم أملاح الكالسيوم في سد جزء من حاجة الجسم منه لأغراض بناء العظام والأسنان ولكنه في المقابل يعد المسئول عن عسر الماء الذي يؤثر في عمل الغسالات ومساحيق التنظيف، كما أنه يؤدي إلى ظهور تكلسات في شبكات المياه وأوعية الغلي والغلايات الصناعية، ويتم إزالته من الماء عن طريق أبراج إزالة الأيونات التي تعتمد على بعض مواد الراتنج.

2- المغنيسيوم:

يتواجد بشكل أقل من الكالسيوم ومصدره الأساسي الصخور البازلتية وبعض المخلفات الصناعية، وهو مفيد جداً لعمل بعض أعضاء الجسم ويدخل في عدد كبير من المغذيات، ولكنه مثل الكالسيوم يؤدي إلى عسر الماء، وبسبب تراكيزه القليلة نسبيا التي تتواجد في المياه فإنه ليس هناك اهتمام كبير بما يسبب من أعراض جانبية أو أضرار محتملة ولكن يمكن القول إن أهم أضراره هو الاضطرار إلى استعمال وسائل إزالة عسر الماء وما ينتج عنها من تلوث، وخاصة أن معظم مساحيق إزالة عسر الماء تعتمد على مركبات البورون شديد الخطورة على النباتات.

3- الصوديوم:

ومصدره الترب الطينية والمياه العادمة المعالجة وبعض المجلفات الصناعية، وهو ضروري لعمل الأعصاب لكنه في نفس الوقت يؤدي إلى رفع ضغط الدم ولذا ينصح الأطباء الاشخاص الذين يعانون من أمراض القلب بعدم استلاك المياه إذا كانت تحتوي على تراكيز عالية من الصوديوم.

4- البوتاسيوم:

مثله مثل الصوديوم ويتشاركان في نفس المصادر تقريبا لكن يمكن للبوتاسيوم أن يأتي من الأسمدة الكيميائية، وهو من أقل العناصر الرئيسة تواجداً في المياه وهو مفيد جدا للنبات وأضرار زيادة تركيزه قريبة من أضرار الصوديوم أيضاً.

ماذا يوجد أيضاً؟

وبالإضافة إلى هذه العناصر الأربعة تتواجد أملاح الحديد في بعض المناطق وخاصة المناطق البركانية، كذلك تستعمل مركبات الحديد في عدة تطبيقات صناعية منها الدهانات ومعالجة المياه، ولكن تراكيز الحديد لا تكون عالية في الغالب ومن أهم أضرار الحديد في المياه أنه يساعد في نمو البكتيريا وكذلك يؤدي إلى ظهور العكارة في الماء عند تواجده في المياه الجوفية وذلك بمجرد تعريض هذه المياه للهواء، وهو أيضأ مسؤول عن الطعم غير المرغوب فيه للمياه كما أنه يزيد من الترسبات الضارة داخل أنابيب المياه ويؤدي إلى سرعة تلفها، أما المنغنيز فيتواجد في بعض مناطق العالم ومصدره الأساسي الصخور البركانية وكذلك يستعمل في عدة صناعات منها صناعة الحديد، ويؤدي استهلاك المياه التي تحوي المنغنيز بتراكيز عالية إلى حدوث تغيرات في الدم وقد يؤدي إلى تدمير الهيموغلوبين إذا تم التعرض لهذه التراكيز على فترات طويلة.

مراقبة جودة الماء

هناك عدة مؤسسات عالمية وإقليمية ومحلية تهتم بسلامة مياه الشرب ويمكن منها الحصول على التراكيز العليا والدنيا المسموح بها في الماء ومن هذه المؤسسات منظمة الصحة العالمية التي تراقب جودة المياه في كل العالم وتصدر تقارير سنوية أو شهرية عن حالة المياه في عدة بلدان مختارة، ولضمان عدم التعرض للخطر – برغم ان ارتفاع تراكيز الأملاح في المياه ليس له خطورة كبيرة على الصحة– يمكن الابتعاد عن استهلاك المياه بتراكيز أملاح عالية إذا وجد البديل أو وجدت وسيلة سهلة ورخيصة الثمن لتخفيف الأملاح، ولا بد من الحذر من وسائل التنقية التي يروج لها أنها تزيل جميع الأملاح من المياه لأن تناول مياه منزوعة الأملاح مضر بالصحة وكذلك فإن معظم الفلاتر المقدمة تكون غالية الثمن وتحتاج إلى تبديل حشوات كل ستة أشهر على الأكثر وقد تشكل بيئة جيدة لنمو البكتيريا إذا لم تحتوي على وحدة إضافية لتعقيم المياه، لذا يفضل عدم اللجوء لهذه التقنيات التي ثبت أنها غير مجدية.