الأيض أو التمثيل الغذائي هو العملية الحيوية التي يستطيع الكائن الحي من خلالها تحويل الغذاء إلى طاقة لتستخدمها خلايا الكائن في 3 أهداف رئيسية؛ وهي الحفاظ على الحياة والنمو والتكاثر.

ويعد الأيض أكثر العمليات الحيوية أهمية، حيث تجمع أهدافه الثلاثة جميع الأنشطة التي تمارسها الكائنات الحية، كما يعد من أكثر العمليات تعقيدا؛ إذ تحتاج الخلايا الحية إلى إجراء سلاسل طويلة ومعقدة من الخطوات (التفاعلات الكيميائية) للوصول إلى المركبات المطلوبة في كل عملية تتم داخل الخلية.

تقسم هذه الخطوات على نوعين رئيسيين؛ هما تفاعلات الهدم التي تقوم فيها الخلية بتكسير الغذاء وتحرير الطاقة منه، وتفاعلات البناء وفيها يتم استخدام الطاقة الناتجة من النوع الأول من التفاعلات في بناء ما تحتاجه الخلية من بروتينات ودهون وأحماض نووية وسكريات وغيرها مما يساعد الخلية على تحقيق الأهداف الثلاثة سابقة الذكر، وجميع هذه العمليات تتم عن طريق محفزات تسهل إتمام التفاعل وتسمى الإنزيمات.

الشبكات الحيوية 

توجد عدة تفاعلات كيميائية أخرى في الخلايا الحية التي تتم بين العديد من المركبات؛ مثل تفاعل البروتينات، وتفاعل الجينات، وتفاعل البروتينات مع الجينات، بالإضافة إلى تفاعلات الأيض. ووجد العلماء أن أفضل الطرق لدراسة هذه التفاعلات عبر هي دراستها في شبكات من التفاعلات.

على سبيل المثال، لو أن الخلية تقوم بتحويل المركب (أ) إلى المركب (ب) عن طريق الإنزيم (م-1)، ثم تحويل المركب (ب) إلى المركب (ج) عن طريق الإنزيم (م-2) فهذا يسمى المسار الحيوي للمركب (ج)؛ أي المسار الذي تتبعه الخلية لإنتاجه. وفي هذا المثال المبسط يحتوي هذا المسار على 3 مركبات وتفاعلين وإنزيمين.

وعلى أرض الواقع، تصل تلك الشبكات إلى عدة آلاف من المركبات والإنزيمات، وإلى ضعف عددها من التفاعلات؛ وبالتالي تمت الاستعانة بالحواسيب الحديثة ونظريات وخوارزميات شبكات الحاسوب لدراسة الشبكات الحيوية؛ مما نتج عنه ظهور فرع جديد في دراسة البيولوجيا يسمي “بيولوجيا الشبكات”، الذي يعتمد على علوم الكمبيوتر والمعلوماتية الحيوية في إنشاء طرق جديدة لدراسة وتحليل وعرض الشبكات الحيوية بمختلف أنواعها.

شبكة تفاعلات كيميائية معقدة

وربما لا يوجد أي نوع معروف من الشبكات الحيوية بمثل تعقيد شبكات الأيض؛ فقد تصل إلى عدة آلاف من التفاعلات بين آلاف المركبات، وقد كانت في السابق تحتاج إلى لوحات رسم جدارية لعرضها قبل أن يحل الكمبيوتر محلها. وحتى اليوم فإن النسخ المطبوعة من شبكات الأيض المختلفة تكون كبيرة بما يكفي لاستخدامها في تزيين جدران معامل المراكز البحثية وقاعات الدراسة.

وتعد موسوعة “كيوتو للجينات والجينومات” التي تعرف اختصارا بقاعدة بيانات “كي إي جي جي” (KEGG) من أقدم وأكبر قواعد البيانات التي تحتوي على المسارات الحيوية للأيض، إذ ظهرت في منتصف التسعينيات واستمرت حتى اليوم بأكثر من 100 إصدار في 27 عاما حتى أصبحت المرجع الرئيسي في العالم.

ويحتوي أحدث إصداراتها -المنشور مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الجاري- على ما يقرب من مليون مسار حيوي، وأكثر من 43 مليون جين في مختلف الكائنات الحية. وتسهم موسوعة “كي إي جي جي” وغيرها في تسهيل دراسة تلك المسارات ومقارنة المسار الحيوي نفسه في عدة كائنات حية مختلفة، لتقديم فهم أدق وأعمق لمكونات تلك الشبكات وتفاعلاتها؛ مما يسهم في فهم كيفية تكوين الخلايا لمركب ما أو آلية عمل دواء ما أو آلية حدوث حالة مرضية عنما يطرأ خلل على أحد أجزاء أو تفاعلات إحدى هذه الشبكات.

هندسة الأيض

الخطوة التالية لفهم آليات الأيض فهما دقيقا هي محاولة تعديل أو تهيئة المسارات الحيوية للمركبات لتصبح أكثر ملاءمة لتطبيقات صحية، أو غذائية، أو دوائية، أو صناعية، وتسمى هذه العملية “هندسة الأيض”.

وهندسة الأيض مجال حديث نسبيا، إذ أدى التقدم المذهل في أجهزة التحليل المعملي إلى التمكن من إجراء تحليلات موسعة، وإنتاج كميات ضخمة من البيانات بتكلفة معقولة مقارنة بما سبق، وفي مدة زمنية قياسية، كما لعبت برامج الحاسوب الخاصة بتحليل تلك البيانات (خاصة نماذج المحاكاة الرياضية والإحصائية) دورا محوريا في جعل دراسة شبكات الأيض كبيرة الحجم ممكنة وسريعة أيضا، وأيضا دراسة التغيرات المتوقعة في الشبكة والتغير في كمية المركبات الناتجة من مسار حيوي معين تحت ظروف متغيرة من دون الحاجة إلى إجراء تجارب معملية.

وتهدف هندسة الأيض إلى إنتاج كميات كبيرة من مركبات ذات أهمية صحية أو اقتصادية عن طريق تهيئة الكائنات الدقيقة وراثيا وتربيتها في بيئات خاصة ينتج عنها تضخيم الكميات المنتجة من هذه المركبات.

ويمكن أن تكون هذه المركبات مكونات غذائية مهمة كالبروتينات ومكسبات الطعم واللون والرائحة، أو مستحضرات دوائية مثل الفيتامينات والهرمونات، أو مركبات ذات أهمية في صناعات أخرى مثل العطور النادرة التي تقدر موادها الخام بعشرات آلاف الدولارات للتر الواحد.

مفاعلات حيوية لإنتاج الأغذية والأدوية

تتم هندسة الأيض عن طريق إيجاد كائن من الكائنات الدقيقة ينتج المركب المطلوب في الطبيعة ولو بكميات صغيرة، ثم دراسة مسارات الأيض الحيوية لهذا المركب والوقوف على النقاط التي يمكن تعديلها لإنتاج كمية أكبر من المادة نفسها. ويشمل ذلك أيضا تغيير بيئة الكائن وتجربة تغذيته على مواد مختلفة، وتغيير في درجات حرارة ورطوبة البيئة وغيرها من الظروف التي تهيئ الكائن الدقيق لإنتاج كميات أكبر من المركب المطلوب. والكائنات الدقيقة هي المفضلة بالطبع لمثل هذه التطبيقات؛ إذ إنها أبسط في التركيب وأسهل في التربية ولها دورة حياة قصيرة جداً.

في حالات أخرى، لا يمكن إيجاد كائن دقيق ينتج المركب المطلوب طبيعيا، وبالتالي يتم استخدام أحد الكائنات الدقيقة المعروفة، مثل بكتيريا الإشريكية القولونية، أو خميرة الخباز. ثم يُنقل المسار الحيوي الخاص بالمركب المطلوب (مجموعة من الجينات) إلى الكائن الدقيق، وتتم تربيته في المعمل في مُخَمِّرات حيوية صغيرة (سعة 1 إلى 5 لترات)، وتهيئة الكائن المعدل ليصبح مفاعلا حيويا لإنتاج المركب المطلوب. وينقل بعدها الكائن المهيأ لبيئة إنتاج كبيرة (مُخَمِّرات حيوية كبيرة السعة تصل إلى 250 لتراً).

ويتم حاليا إنتاج العديد من المركبات المستخدمة في الصناعات الغذائية والمواد الفعالة الداخلة في الصناعات الدوائية ومواد العناية بالبشرة عن طريق هندسة الأيض، ويتوقع أن تزيد تطبيقاتها في المستقبل لتصل إلى الأغذية البديلة والوقود الحيوي.

المصدر: مواقع إلكترونية