يبدو أن الحاسة السادسة المغناطيسية قد تكون أوسع انتشاراً في الأنواع المختلفة للمملكة الحيوانية مما كان يعتقد سابقاً، حسب ما أشارت دراسة بحثية حديثة -نشرت في دورية “نيتشر” (Nature) يوم 22 فبراير/شباط الماضي.

كما استطاع فريق الدراسة -الذي يضم باحثين من جامعة مانشستر (University of Manchester) وجامعة ليستر (University of Leicester)- تحديد جزيء موجود في جميع أنواع الخلايا الحية يمكنه الاستجابة للمجال المغناطيسي.

وتسهم هذه الدراسة في إحراز تقدم كبير في فهمنا لكيفية إحساس الحيوانات بالمجالات المغناطيسية في بيئتها وكيفية استجابتها لها. كما أنها قد تتيح الفرصة لتطوير أدوات جديدة يمكنها تحفيز نشاط الخلايا البيولوجية -ومن بينها تلك الخلايا الموجودة في البشر- بشكل انتقائي باستخدام الحقول المغناطيسية.

آلية التقاط المجال المغناطيسي

وطبقا للبيان الصحفي الذي نشرته جامعة مانشستر، فقد أظهرت الدراسة أن جزيء ثنائي نوكليوتيد الفلافين والأدنين (FAD) -الموجود في جميع الخلايا الحية- يمكنه أن ينقل الإحساس المغناطيسي إلى الأنظمة البيولوجية، إن توافر بكميات كبيرة.

ويعرف العلماء بالفعل أن أنواعا مثل الفراشة الملكية والحمام والسلحفاة وغيرها من الحيوانات تستخدم المجال المغناطيسي للأرض للتنقل عبر مسافات طويلة. غير أن هذا الاكتشاف الحديث قد يعني أن الجزيئات التي يمكنها استشعار المجال المغناطيسي للأرض موجودة بالفعل -بدرجة أقل أو أكثر- في جميع الكائنات الحية.

وفي هذا الصدد، يشير ريتشارد بينز -عالم الأعصاب وقائد الدراسة في جامعة مانشستر- إلى أن “آليات استشعار العالم الخارجي من رؤية وسمع ولمس وتذوق وشم معروفة جيدا. وعلى النقيض، لا تزال الكيفية التي تستشعر وتستجيب بها الحيوانات للمجال المغناطيسي مجهولة”.

الحاسة السادسة المغناطيسية

ولفهم هذه الحاسة الغامضة، استخدم العلماء ذبابة الفاكهة (Drosophila melanogaster) لتكون نموذجا لفهم هذه الآلية. وعلى الرغم من الاختلاف الظاهري، فإن ذبابة الفاكهة تحتوي على نظام عصبي يعمل تماما مثل نظامنا العصبي. ولذا، فإن ذبابة الفاكهة استخدمت -في دراسات لا حصر لها- بوصفها نموذجا حيوانيا يساعد على فهم البيولوجيا البشرية.

ويعد اكتشاف كيفية استشعار واستقبال الحيوانات للمجال المغناطيسي -أو كما يطلق عليها الحاسة السادسة- أكثر صعوبة من اكتشاف الحواس الخمس الأخرى. إذ يشير عالم الأعصاب آدم برادلو -المشارك في الدراسة من جامعة مانشستر- إلى أن السبب في ذلك يرجع “إلى أن المجال المغناطيسي للأرض يحمل القليل جدا من الطاقة، وذلك على النقيض من فوتونات الضوء أو الموجات الصوتية التي تستشعرها الحواس الأخرى، التي تنقل كمية كبيرة من الطاقة مقارنة بالمجال المغناطيسي”.

وللتمكن من استشعار هذا القدر الضئيل من المجال المغناطيسي، فقد استغلت الحيوانات أحد البروتينات الأخرى المعروف بحساسيته للضوء الذي يسمى “الكريبتوكروم” (Cryptochrome).

تلاعب بالبروتينات الأخرى

يؤدي امتصاص بروتين “الكريبتوكروم” الضوء إلى تحرك الإلكترونات داخل البروتين، مما يولد شكلا نشطا من هذا البروتين، متخذا هيئة مميزة واحدة من إحدى حالتين.

هنا يأتي دور المجال المغناطيسي، الذي يؤثر على توزيع نسبة هاتين الحالتين، مما ينعكس بدروه على الفترة التي يظل فيها بروتين “الكريبتوكروم” نشطا.

ويشير برادلو إلى أن أكثر النتائج إثارة للدهشة -التي تتعارض مع فهمنا الحالي للأمر- كانت تتمثل في “قدرة الخلايا على استشعار المجالات المغناطيسية حتى مع وجود جزء صغير من بروتين الكريبتوكروم”.

ويعني بذلك أنه حتى وإن كان ينقص الكريبتوكروم بعض النطاقات البروتينية المكونة له ككل، فإن الطرف الكربوكسيلي للبروتين (المكون من 52 حمضا أمينيا فقط) قادر بمفرده على استشعار المجال المغناطيسي للأرض.

طريقة أخرى بديلة

ويضيف برادلو إلى أنهم أظهروا “طريقة أخرى محتملة تسهم في استشعار المجال المغناطيسي. إذ يستطيع جزيء ثنائي نوكليوتيد الفلافين والأدنين الموجود في جميع الخلايا -إن وُجد بكميات كبيرة بالشكل الكافي- نقل الإحساس المغناطيسي حتى وإن لم توجد أي أجزاء من بروتين الكريبتوكروم”.

وتعد هذه النتائج مهمة لفهم الآلية الجزيئية التي تسمح للخلية باستشعار المجال المغناطيسي. كما تساعدنا بشكل أفضل على تقدير مدى تأثير العوامل البيئية -مثل الضوضاء الكهرومغناطيسية الآتية من شبكات الاتصالات- على الحيوانات التي تعتمد على الحاسة المغناطيسية للبقاء على قيد الحياة.

المصدر : مواقع إلكترونية

اقرأ أيضاً… الغابات الاستوائية.. كشف عواقب تقلص مساحتها

صفحتنا على فيس بوك