المياه الجوفيّة تُستنزف بسرعة.. هل يمكن وقف نزيفها؟
المياه الجوفيّة هي مياه عذبة مصدرها المطر أو ذوبان الثلوج، حيث تتسرب إلى التربة وتخزّن في المسامات بين الصخور وجزيئات التربة، حيث تكتسب أهمية كبيرة في الطبيعة، وتوفّر ما يقرب من نصف حجم جميع المياه المعدّة للاستخدام المنزلي ونحو 43% من استخدام المياه لأغراض الري.
وعلى الرغم من كونها مورداً متجدداً، فإن إعادة الملء الطبيعي لطبقاتها في العمق عملية بطيئة وتستغرق عقوداً أو قروناً طويلة حتى تتعافى بعض طبقاتها بعد استنفادها، لذك يشكل استنزاف المياه الجوفيّة مشكلة كبيرة تهدد الأمن المائي والغذائي على كوكب الأرض.
في دراسة نشرت حديثاً، قام فريق من علماء البيانات والمتخصصين في المياه وخبراء السياسات بتجميع أول مجموعة بيانات عالمية النطاق لمستوياتها، ومن خلال تحليل الملايين من قياسات مستواها في 170 ألف بئر تقع في أكثر من 40 دولة في البلدان التي تشمل نحو 75٪ من عمليات سحب المياه الجوفيّة العالمية، رسم الباحثون خرائط لكيفية تغير مستويات المياه الجوفيّة مع مرور الوقت.</p>
وتوصلت الدراسة إلى نتيجتين رئيسيتين: الأولى تُظهر أن نضوبها السريع منتشر على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم، وأن معدلات الانخفاض تسارعت على مدى العقود الأربعة الماضية في 30% من طبقات المياه الجوفيّة في العالم.</p>
والثانية كشفت عن حالات محددة انعكست فيها اتجاهات النضوب عقب تغيير السياسات، وإدارة تغذية طبقاتها الجوفيّة، وتحويل المياه السطحية، وأنه من خلال التدخلات في الوقت المناسب، يمكن لهذا المورد المهم أن يتعافى.
وفي نحو 20% من طبقاتها التي دُرست، وجد الباحثون أن معدل انخفاض مستويات المياه الجوفيّة في القرن الحادي والعشرين تباطأ مقارنة بالثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي.
آثار استنزاف المياه الجوفيّة
يُعد استنزاف المياه مشكلة عالمية، حيث تُستخرج كميات من المياه من طبقات المياه الجوفيّة أكثر مما يُعاد تغذيته بواسطة الأمطار والثلوج، ويَترك الاستنزاف السريع لمخزون المياه الجوفيّة آثاراً كبيرة في البيئة والزراعة والإنسان.
ويُعتبر جفاف الآبار من أخطر عواقب الضخ المفرط لها حيث ينخفض المنسوب الذي تكون الأرض تحته مشبعة بالمياه، ومع شح الآبار يفقد الناس والمجتمعات الذين يعتمدون عليها إمكانية الوصول إلى ما قد يكون مصدرهم الوحيد للماء العذب.
كما يهدد جفاف الآبار إنتاج المحاصيل، إذ يُعتبر نضوب تلك المياه أحد أكبر التهديدات للزراعة المروية العالمية، لأنها توفر ما يقرب من نصف المياه المستخدمة للري على مستوى العالم.
ويهدد استنزافها أيضاً نوعية المياه بسبب التلوث الناجم عن تسرب المياه المالحة. وفي ظل الظروف الطبيعية تميل الحدود بين المياه العذبة والمياه المالحة في باطن الأرض إلى أن تكون مستقرة نسبياً، لكن الضخ الكثيف يمكن أن يتسبب بهجرة المياه المالحة إلى الأعلى وتلويث إمدادات المياه العذبة.
كما يمكن أن يؤدي انخفاض منسوبها بسبب الضخ المفرط أيضاً، إلى هبوط الأرض وزيادة مخاطر الفيضانات بعشرات المدن الساحلية في جميع أنحاء العالم، وإتلاف البنى التحتية.
ويهدد جفاف الآبار وشح المياه المجتمعات الزراعية ويدفع الكثير من أفرادها إلى مغادرة قراهم والنزوح نحو المدن، وبالتالي زيادة الضغط على الموارد المائية وموارد الطاقة في المجتمعات الجديدة.
الوقاية والحلول
مع النهج الحالي في التعامل مع المياه الجوفيّة فإن العالم يتجه نحو الكارثة، لكنْ يمكن للحكومات اتخاذ إجراءات ورسم سياسات تُعاكس هذا الاتجاه، واتباع أساليب التخطيط الاستراتيجي والتكيفي على نطاق واسع لإدارة ما لديها بشكل أكثر فعالية وتقليل الاستثمارات التي يتعين عليها القيام بها لمنع الأزمة من أن تصبح حقيقة واقعة.
ومع إعطاء الأولوية للإدارة الفعالة للمياه في المناطق المعرضة للخطر، لا بد من العمل بشكل أكثر استباقاً لتضمين هذا النهج في المناطق الأقل عرضة للخطر قبل أن تصبح الندرة أمراً حتمياً.
وللتعامل مع الاستغلال المفرط معها، ينبغي تحديد أقصى عمق للحفر في كل منطقة، وتقنين حفر آبار جديدة وفقاً للوضع الجيولوجي فيها، واتباع سياسات زراعية لتحديد دورة المحاصيل، وزراعة المحاصيل ذات الاستهلاك المنخفض للمياه في المناطق غير الغنية بها.
المصدر: مواقع إلكترونية
اقرأ أيضاً… غلي ماء الشرب يطهره من المواد البلاستيكية الدقيقة